كتاب المصباح لما أعتم من شواهد الإيضاح PDF يقول مصنِّفه "أبو الحجاج يوسف ابن يسعون" في مقدمته: "حَمدًا للَّه على ما أولاه، والصَّلاة على محمَّد رسوله الذي اصطفاه، وعلى سائر من اجتباه ممن تقدّمه أو تلاه، فإني كنتُ في زمن الشّباب، والتحلي بحلية الآداب، حريصًا على صرف الخاطر السَّويّ، إلى شرح أبيات الإيضاح لأبي عليّ الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسويّ؛ لكونه من أصغر الكتب النحوية حجمًا، وأوفرها من صحة التقسيم قسمًا، وأجمعها فوائد، وأنفعها شواهد، إذا عرف من كلامه مغمضه، وكشف عن جُمَامه وعَرْمصه، لطول عهده بوارد، مهتد إلى أعذب الموارد، ثم عاق عن الأمل، اتصال الكسل، لقلة التنويه بأهليه، وكثرة التمويهِ من منتحليه، حتى كاد العمر ينفد، والخاطر يتبلد؛ لأوجال عَرضَتْ، وآمال اعترضت، فمددت الآن إلى شرحها يدًا، لم تفرغْ شواغِلُ الهموم لربهما خَلَدًا، فدلّلت على مكنون أسرارها، ووصَلتُ كثيرًا من منفصل أشعارها، لأزيد الغُرَّةَ تحجيلًا، والدُّرة بأختها تبجيلًا، فربّ بيت بغَيره معقود، ومُحلَّى مما سواه بتيجان وعقود، وكم لفظ عنّ فَعَنَّى؛ لغموض إعراب أوْ مَعْنَّى، مُنْبئًا في أكثرها عن قائليها، متبرئًا من العُهدة بذكر ناسيها، ومرادي إنْ اللَّه بفضله سَنَّى، أن أُتبع ذلك شرح المعنى؛ لتَجْتَلي من اللفظ زَهْرًا، وتجْتَني من المعنى ثَمرًا، ولولا أنْ أخرج عن حَدَّ الشرح، لضربتُ لكلّ ما يعرض بقدح، وإنْ كنتُ قد أَقصرت، ففي بعض ذلك ما قَصَّرْتُ، على أنَّ فيما يعرض من الإعراب شاغلًا عن سائر الأبواب، لا سيما وأكثر ما أنص منه، كلام أبي علي، أو أبي الفتح بن جني آخذ الصنعة عنه، وأرجو أنْ يكون كتابي هذا أجلى مصباح، لما أَعْتم من شواهد الإيضاح، وأن لا يقع فيه دون الغرض منه سهم الصواب، وقوع سهام مَنْ تعرض لهذا الكتاب، على أني ما قصدت بسابق تقصيرًا، ولا اعتمدت بكتابي هذا تكريرًا، ولوددت أنْ يكون غيري قد كفى، شيئًا كنت له متوكفًا، فأعرف له فضل التقدّم، وأعترف بحقّ التَّعلم، ولكن بُيّن الصبح لذي عينين، ومَيَّز السبك بين الآنك واللُّجين، ومثل كلام الفارسي لا يتلقى بشعبذَةٍ، وإذا لمح كتبنا المنصف، اتضح له العتيق والمقرف، واغتفر قليل المذموم عنده، وشكر كثير المحمود لمن بذل جهده، لا سيما والحال مغنية عن الاعتذار؛ لكثرة تشعب مواضع الأشعار، وإهمال أكثر ناقليها؛ لتبيين إعرابها ومعانيها. ولعل قائلًا يقول: أولى له فأولى، قد كان الشغل بغير هذا أولى، لا سيّما إنْ كان أعجمي المنسب، فرعي المذهب، جاهلًا بما رُوي في ذلك من الآثار، عن النبيّ عليه السَّلام وعن صحبه الأبرار، كما روى أبو سعد الماليني بسنده إلى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "تعلّموا العربية فإنها كلام اللَّه، وكلام ملائكته، وكلام أهل الجنَّة في الجنَّة". وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: "تعلَّموا الفرائض والسنّة واللَّحْنَ كما تعلّمون القرآن". قال الأصمعي وأبو زيد: "اللّحْن هنا: اللّغة"، وقال أبو عبيد: "اللَّحن هنا: الخطأ؛ لأنَّهم إذا علموهُ فق تعلموا الصَّواب". وقال يزيد بن هارون: "اللَّحن: النَّحو" وحسبك بشرف علم وتفضيله، علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ناهج سبيله، وكم للنَّحو من فضائل مروية عن أفاضل، منزهةٍ عن الفسائل، من أهل المسائل، الذين اتخذوها رشاءً للرُشى وعَشَاء يزيدهم في العَشَا. وسأعتمد خلال شرح الأبيات، إيضاح أكثر مسائله المشكلات، حتى يكون هذا الكتاب عظيمًا نفعه، عند من لم يقصر به عن فهمه كسله وطبعه، ولا أبرئ نفسي من سهو وإغفال، فالقلوب ذات أقفال، وعلى اللَّه قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل".